-A +A
عائض الردادي
في السنوات الخمس الأخيرة كثرت الروايات، وبخاصة النسائية التي توصف بالجرأة بخروجها على أعراف تحول دون البوح الصريح ببعض السلوكيات، وبعيدا عن الشك في كتابة بعض الكتاب والكاتبات لبعضها فإن الظاهرة موجودة، سواء أكتبها من حملت أسماءهم أم استكتبوها فإن الموضوع هو مضمونها وليس من كتبها، ومن يدقق في بعض الصيغ التعبيرية سيرد كل ماء إلى منبعه، وبعضهم قد تنصل عن بعض ما ورد فيها بأن المطبعة زادت فيها ما لم يكتبه، وهو ادعاء غريب.
هذه الروايات جاءت سريعة في كثرتها مثل عواصف الغبار في هذا العام، واحتفى بها الإعلام لا لفنيّتها، بل لما فيها من كلام مسكوت عنه، ولم يتناول حتى الآن كاتب عنها، لماذا انحصر مضمونها في أمور جنسية أو مواقف استنكار لها، وفي المجتمع خبايا وزوايا تحتاج للبوح عنها إن كان الأدب للحياة أو للفن وليس للاعتراف أو البوح سعيا لأضواء إعلامية.
كنت قد قرأت كتابا عنوانه «شخصية بشار» حلل فيه الناقد شخصية الشاعر بشار بن بُرد موغلا في كشف الحياة السرية لبشار من خلال شعره، ووصل ببشار إلى أنه شاعر مجون مكتوم، ولو صدر الكتاب في أيامنا هذه لكان قائداً لسرب من الباحثين عن أسرار الحياة الخاصة للأدباء، ولكنه صدر في زمن كان أدب البوح الماجن ومثله النقد ليست له سوق رائجة.
بعض من كتبوا أدب الاعتراف أو البوح أضفوه على شخصيات روائية وقل من عدّه سيرة ذاتية، وإن كان بعض القراء عدّوه سيرة ذاتية، وليس ذلك مهما بقدر طرح السؤال: ما الذي جعل أدب الاعتراف يظهر في زماننا، وهو ليس بالجديد، فقد كان يسمى أدب المجون منذ امرئ القيس، وإن كان مظهره الأبرز هو شعر الغزل وبخاصة في العصر العباسي، وبعده في أدب الغزل بالمذكر حتى نُسب بعضه لبعض العلماء.
هل جمال الأدب في إبداعه الفني أم في موضوعه المكشوف حتى إن بعض النقاد سمَّاه بالأدب المكشوف، ومنذ القدم من مقاييس الجمال الأدبي الرمز والإيحاء ومتى ما نحا نحو الأدب المكشوف قل جماله الفني وقل شيوعه، وقد يقتصر على الجلسات الخاصة للتفكه وقد يدخل في أدب نوادر المجالس.
الظاهرة في تشجيع أدب الاعتراف امتداد للتأثر بالغرب في تيارات كثيرة تطغى حينا من الزمن ثم تختفي، ولعل أبرز من مثلها محمد شكري في «الخبز الحافي» الذي أنتج أصلا بلغة أوروبية ثم ترجم للعربية، مع ما فيه من تقزز وقذارة أضفاها على نفسه لم يصل إليها حتى الآن أحد غيره، وكل ما ظهر عندنا هو الحديث عن بعض سلوكيات أو استنكار مواقف جهات تجاه السلوكيات، وهي لا تعد شيئا إذا قيست بما كتبه محمد شكري، ولكنها عُدت كبيرة لأن منتجها في مجتمع محافظ، وأحيانا شجع عليها حب الأضواء الإعلامية وبخاصة إذا مُنع الكتاب، والإعلام في زماننا مغرٍ لمن يعشق الأضواء، حتى لو كتب وريقات محدودة وهي لا تتجاوز صفحات من أجل الشهرة ولو لم تستوفِ أكثر عناصر العمل الأدبي.
أدب الاعتراف إن صراحة وإن ضمنا ليس بالجديد، ولكن الجديد هو الاحتفاء به وتشجيعه، وهو موجة ستذوب بعد زمن ردة الفعل.
الفاكس: 012311053


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي تبدأ بالرمز 123 مسافة ثم الرسالة